الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الْفَصِيلَةُ أَصْغَرُ آبَائِهِ الْقُرْبَى إِلَيْهِ يَنْتَمِي مَنْ انْتَمَى لِلشَّوَى الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْأَطْرَافُ وَجِلْدَةُ الرَّأْسِ يُقَالُ لَهَا شَوَاةٌ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَقْتَلٍ فَهُوَ شَوًى عِزِينَ وَالْعِزُونَ الْحِلَقُ وَالْجَمَاعَاتُ وَوَاحِدُهَا عِزَةٌ الشرح: قول (سورة سأل سائل) سقطت البسملة للجميع. قوله: (الفصيلة أصغر آبائه القربى إليه ينتمي) هو قول الفراء. وقال أبو عبيدة: الفصيلة دون القبيلة، ثم الفصيلة فخذه التي تؤويه. وقال عبد الرزاق عن معمر: بلغني أن فصيلته أمه التي أرضعته. وأغرب الداودي فحكى أن الفصيلة من أسماء النار. قوله: (للشوى: اليدان والرجلان والأطراف، وجلدة الرأس يقال لها شواة، وما كان غير مقتل فهو شوى) هو كلام الفراء بلفظه أيضا. وقال أبو عبيدة: الشوى واحدتها شواة وهي اليدان والرجلان والرأس من الآدميين، قال: وسمعت رجلا من أهل المدينة يقول اقشعرت شواتي، قلت له ما معناه؟ قال: جلدة رأسي، والشوى قوائم الفرس يقال: عبل الشوى، ولا يراد في هذا الرأس لأنهم وصفوا الخيل بأسالة الخدين ورقة الوجه. قوله: (عزين والعزون الحلق والجماعات واحدها عزة) أي بالتخفيف كذا لأبي ذر، وسقط لفظ " الحلق " لغير أبي ذر والصواب إثباته وهو كلام الفراء بلفظه، والحلق بفتح الحاء المهملة على المشهور ويجوز كسرها. وقال أبو عبيدة: عزين جماعة عزة مثل ثبة وثبين وهي جماعات في تفرقة. قوله: (يوفضون الإيفاض الإسراع) كذا للنسفي هنا وحده وهو كلام الفراء. وقد تقدم في الجنائز. قوله: (وقرأ الأعمش وعاصم إلى نصب) أي إلى شيء منصوب يستبقون إليه، وقراءة زيد بن ثابت " إلى نصب " وكان النصب الآلهة التي كانت تعبد وكل صواب، والنصب واحد والنصب مصدر، ثبت هذا هنا للنسفي، وذكره أبو نعيم أيضا. وقد تقدم بعضه في الجنائز. وهو قول الفراء بلفظه وزاد: في قراءة بن ثابت برفع النون، وبعد قوله التي كانت تعبد من الأحجار قال: النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع أنصاب انتهى، يريد أن الذي بضمتين واحد لا جمع مثل حقب واحد الأحقاب. إِنَّا أَرْسَلْنَا أَطْوَارًا طَوْرًا كَذَا وَطَوْرًا كَذَا يُقَالُ عَدَا طَوْرَهُ أَيْ قَدْرَهُ وَالْكُبَّارُ أَشَدُّ مِنْ الْكِبَارِ وَكَذَلِكَ جُمَّالٌ وَجَمِيلٌ لِأَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً وَكُبَّارٌ الْكَبِيرُ وَكُبَارًا أَيْضًا بِالتَّخْفِيفِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ رَجُلٌ حُسَّانٌ وَجُمَّالٌ وَحُسَانٌ مُخَفَّفٌ وَجُمَالٌ مُخَفَّفٌ دَيَّارًا مِنْ دَوْرٍ وَلَكِنَّهُ فَيْعَالٌ مِنْ الدَّوَرَانِ كَمَا قَرَأَ عُمَرُ الْحَيُّ الْقَيَّامُ وَهِيَ مِنْ قُمْتُ وَقَالَ غَيْرُهُ دَيَّارًا أَحَدًا تَبَارًا هَلَاكًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِدْرَارًا يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَقَارًا عَظَمَةً الشرح: قوله: (سورة نوح) سقطت البسملة للجميع. قوله: (أطوارا طورا كذا وطورا كذا) تقدم في بدء الخلق. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله قوله: (يقال عدا طوره أي قدره) تقدم في بدء الخلق أيضا. قوله: (والكبار أشد من الكبار، وكذلك جمال وجميل لأنها أشد مبالغة؛ وكذلك كبار الكبير، وكبار أيضا بالتخفيف) قال أبو عبيدة في قوله قوله: (والعرب تقول رجل حسان وجمال وحسان مخفف وجمال مخفف) قال الفراء في قوله قوله: (ديارا من دور، ولكنه فيعال من الدوران) أي أصله ديوار فأدغم ولو كان أصله فعالا لكان دوارا، وهذا كلام الفراء بلفظه. وقال غيره: أصل ديار دوار، والواو إذا وقعت بعد تحتانية ساكنة بعدها فتحة قلبت ياء مثل أيام وقيام. قوله: (كما قرأ عمر الحي القيام وهي من قمت) هو من كلام الفراء أيضا، وقد أخرج أبو عبيدة في فضائل القرآن من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر أنه صلى العشاء الآخرة فاستفتح آل عمران فقرأ {الله لا إله إلا هو الحي القيام} وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طرق عن عمر أنه قرأها كذلك، وأخرجها عن ابن مسعود أيضا. قوله: (وقال غيره ديارا أحدا) هو قول أبي عبيدة وزاد: يقولون ليس بها ديار ولا عريب. (تنبيه) : لم يتقدم ذكر من يعطف عليه قوله " وقال غيره " فيحتمل أن يكون كان في الأصل منسوبا لقائل فحذف اختصارا من بعض النقلة، وقد عرفت أنه الفراء. قوله: (تبارا هلاكا) هو قول أبي عبيدة أيضا. قوله: (وقال ابن عباس مدرارا يتبع بعضه بعضا) وصله ابن أبي حاتم من علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به. قوله: (وقارا عظمة) وصله سعيد بن منصور وابن أبي حاتم من طريق مسلم البطين بن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله *3* الشرح: قوله (باب ودا ولا سواعا ولا يغوث يعوق) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ الشرح: قوله: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني. قوله: (ابن جريج وقال عطاء) كذا فيه وهو معطوف على كلام محذوف، وقد بينه الفاكهي من وجه آخر عن ابن جريج قال في قوله تعالى قوله: (عن ابن عباس) قيل هذا منقطع لأن عطاء المذكور هو الخراساني ولم يلق ابن عباس، فقد أخرج عبد الرزاق هذا الحديث في تفسيره عن ابن جريج فقال: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس. وقال أبو مسعود: ثبت هذا الحديث في تفسير ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني وإنما أخذه من ابنه عثمان بن عطاء فنظر فيه. وذكر صالح بن أحمد بن حنبل في " العلل " عن علي بن المديني قال: سألت يحيى القطان عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني فقال: ضعيف. فقلت: إنه يقول أخبرنا. قال: لا شيء، إنما هو كتاب دفعه إليه انتهى. وكان ابن جريج يستجيز إطلاق أخبرنا في المناولة والمكاتبة. وقال الإسماعيلي أخبرت عن علي بن المديني أنه ذكر عن " تفسير ابن جريج " كلاما معناه أنه كان يقول عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، فطال على الوراق أن يكتب الخراساني كل حديث فتركه فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح انتهى. وأشار بهذا إلى القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني ونبه عليها أبو على الجياني في " تقييد المهمل " قال ابن المديني سمعت هشام بن يوسف يقول قال لي ابن جريج سألت عطاء عن التفسير من البقرة وآل عمران ثم قال: اعفني من هذا. قال قال هشام فكان بعد إذا قال قال عطاء عن ابن عباس قال عطاء الخراساني. قال هشام: فكتبنا ثم مللنا، يعني كتبنا الخراساني. قال ابن المديني وإنما بينت هذا لأن محمد بن ثور كان يجعلها - يعني في روايته عن ابن جريج - عن عطاء عن ابن عباس فيظن أنه عطاء بن أبي رباح. وقد أخرج الفاكهي الحديث المذكور من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ولم يقل الخراساني، وأخرجه عبد الرزاق كما تقدم فقال الخراساني. وهذا مما استعظم على البخاري أن يخفي عليه، لكن الذي قوي عندي أن هذا الحديث بخصوصه عند ابن جريج عن عطاء الخراساني وعن عطاء ابن أبي رباح جميعا؛ ولا يلزم من امتناع عطاء بن أبي رباح من التحديث بالتفسير أن لا يحدث بهذا الحديث في باب آخر من الأبواب أو في المذاكرة، وإلا فكيف يخفي على البخاري ذلك مع تشدده ما شرط الاتصال واعتماده غالبا في العلل على علي بن المديني شيخه وهو الذي نبه على هذه القصة. ومما يؤيد ذلك أنه لم يكثر من تخريج هذه النسخة وإنما ذكر بهذا الإسناد موضعين هذا وآخر في النكاح، ولو كان خفي عليه لاستكثر من إخراجها لأن ظاهرها أنها على شرطه. قوله: (صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد) في رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: كانت آلهة تعبدها قوم نوح ثم عبدتها العرب بعد. وقال أبو عبيدة: وزعموا أنهم كانوا مجوسا وأنها غرقت في الطوفان، فلما نضب الماء عنها أخرجها إبليس فبثها في الأرض انتهى. وقوله كانوا مجوسا غلط، فإن المجوسية كلمة حدثت بعد ذلك بدهر طويل، وإن كان الفرس يدعون خلاف ذلك. وذكر السهيلي في " التعريف " أن يغوث هو ابن شيث بن آدم فيما قيل، وكذلك سواع وما بعده وكانوا يتبركون بدعائهم، فلما مات منهم أحد مثلوا صورته تمسحوا بها إلى زمن مهلائيل فعبدوها بتدريج الشيطان لهم، ثم صارت سنة في العرب في الجاهلية، ولا أدري من أين سرت لهم تلك الأسماء؟ من قبل الهند فقد قيل إنهم كانوا المبدأ في عبادة الأصنام بعد نوح، أم الشيطان ألهم العرب ذلك انتهى. وما ذكر مما نقله تلقاه من " تفسير بقي بن مخلد فإنه ذكر فيه نحو ذلك على ما نبه عليه ابن عسكر في ذيله، وفيه أن تلك الأسماء وقعت إلى الهند فسموا بها أصنامهم ثم أدخلها إلى أرض العرب عمرو بن لحي، وعن عروة بن الزبير أنهم كانوا أولاد آدم لصلبه، وكان ود أكبرهم وأبرهم به، وهكذا أخرجه عمر بن شبة في " كتاب مكة " من طريق محمد بن كعب القرظي قال: كان لآدم خمس بنين فسماهم قال: وكانوا عبادا. فمات رجل منهم فحزنوا عليه. فجاء الشيطان فصوره لهم ثم قال للآخر إلى آخر القصة، وفيها: فعبدوها حتى بعث الله نوحا. ومن طريق أخرى أن الذي صوره لهم رجل من ولد قابيل بن آدم. وقد أخرج الفاكهي من طريق ابن الكلبي قال: كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن، فأتاه فقال: أجب أبا ثمامة، وادخل بلا ملامة. ثم ائت سيف جدة، تجد بها أصناما معدة. ثم أوردها تهامة ولا تهب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب. قال فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، وهي الأصنام التي عبدت على عهد نوح وإدريس ثم إن الطوفان طرحها هناك فسفي عليها الرمل فاستثارها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب؛ وعمرو بن ربيعة هو عمرو بن لحي كما تقدم. قوله: (أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل) قال ابن إسحاق: وكان لكلب بن وبرة بن قضاعة. قلت: وبرة هو ابن تغلب بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ودومة بضم الدال، الجندل بفتح الجيم وسكون النون مدينة من الشام مما يلي العراق، وود بفتح الواو وقرأها نافع وحده بضمها (وأما سواع فكانت لهذيل) زاد أبو عبيدة بن مدركة بن إلياس بن مضر؛ وكانوا بقرب مكة. وقال ابن إسحاق: كان سواع بمكان لهم يقال له رهاط بضم الراء وتخفيف الهاء من أرض الحجاز من جهة الساحل. قوله: (وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف) في مرسل قتادة " فكانت لبني غطيف بن مراد " وهو غطيف بن عبد الله بن ناجية بن مراد. وروي الفاكهي من طريق ابن إسحاق قال: كانت أنعم من طيئ وجرش ابن مذحج اتخذوا يغوث لجرش. قوله: (بالجرف) في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بفتح الحاء وسكون الواو، وله عن الكشميهني الجرف بضم الجيم والراء وكذا في مرسل قتادة، وللنسفي بالجون بجيم ثم واو ثم نون، زاد غير أبي ذر: عند سبأ. قوله: (وأما يعوق فكانت لهمدان) قال أبو عبيدة: لهذا الحي من همدان ولمراد بن مذحج، وروي الفاكهي من طريق ابن إسحاق قال: كانت خيوان بطن من همدان اتخذوا يعوق بأرضهم. قوله: (وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع) في مرسل قتادة " لذي الكلاع من حمير " زاد الفاكهي من طريق أبي إسحاق " اتخذوه بأرض حمير". قوله: (ونسر، أسماء قوم صالحين من قوم نوح) كذا لهم، وسقط لفظ " ونسر " لغير أبي ذر وهو أولى، وزعم بعض الشراح أن قوله " ونسر " غلط، وكذا قرأت بخط الصدفي في هامش نسخته. ثم قال هذا الشارح: والصواب وهي قلت: ووقع في رواية محمد بن ثور بعد قوله " وأما نسر فكانت لآل ذي الكلاع " قال " ويقال هذه أسماء قوم صالحين " وهذا أوجه الكلام وصوابه؛ وقال بعض الشراح: محصل ما قيل في هذه الأصنام قولان: أحدهما أنها كانت في قوم نوح، والثاني أنها كانت أسماء رجال صالحين إلى آخر القصة. قلت: بل مرجع ذلك إلى قول واحد، وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم من بعدهم على ذلك. قوله: (فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم) كذا لهم، ولأبي ذر والكشميهني " ونسخ العلم " أي علم تلك الصور بخصوصها. وأخرج الفاكهي من طريق عبيد الله بن عبيد بن عمير قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجل منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه؛ فاتخذ مثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظره ثم مات ففعل به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء، فقال الأبناء. ما أتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم، فعبدوها. وحكى الواقدي قال: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة طائر، وهذا شاذ والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر، وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها. والله أعلم الشرح: قوله: (سورة قل أوحى) كذا لهم. ويقال لها سورة الجن. الحديث: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِبَدًا أَعْوَانًا الشرح: قوله: (قال ابن عباس: لبدا أعوانا) هو عند الترمذي في آخر حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب، ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هكذا، وقراءة الجمهور بكسر اللام وفتح الباء وهشام وحده بضم اللام وفتح الموحدة فالأولى جمع لبدة بكسر ثم سكون نحو قربة وقرب، واللبدة واللبد الشيء الملبد أي المتراكب بعضه على بعض وبه سمي اللبد المعروف والمعنى كادت الجن يكونون عليه جماعات متراكبة مزدحمين عليه كاللبدة، وأما التي بضم اللام فهي جمع لبدة بضم ثم سكون مثل غرفة وغرف والمعنى أنهم كانوا جمعا كثيرا كقوله تعالى {مالا لبدا} أي كثيرا وروى عن أبي عمرو أيضا بضمتين فقيل هي جمع لبود مثل صبر وصبور، وهو بناء مبالغة وقرأ ابن محيصن بضم ثم سكون فكأنها مخففة من التي قبلها. وقرأ الجحدري بضمة ثم فتحة مشددة جمع لا بد كسجد وساجد، وهذه القراءات كلها راجعة إلى معنى واحد وهو أن الجن تزاحموا على النبي صلى الله عليه وسلم لما استمعوا القرآن وهو المعتمد. وروي عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبدت الإنس والجن وحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله تعالى، وهو لما اللفظ واضح القراءة المشهورة لكنه في المعنى مخالف. قوله: (بخسا نقصا) ثبت هذا للنسفي وحده، وتقدم في بدء الخلق. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالَ مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ قَالَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلَةَ وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَسَمَّعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ الشرح: قوله: (عن أبي بشر) هو جعفر بن أبي وحشية. قوله: (انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا اختصره البخاري هنا وفي صفة الصلاة، وأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " عن الطبراني عن معاذ بن المثنى عن مسدد شيخ البخاري فيه فزاد في أوله " ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم انطلق " إلخ، وهكذا أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي عوانة بالسند الذي أخرجه به البخاري، فكأن البخاري حذف هذه اللفظة عمدا لأن ابن مسعود أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجن، فكان ذلك مقدما على نفي ابن عباس. وقد أشار إلى ذلك مسلم فأخرج عقب حديث ابن عباس هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أتاني داعي الجن فانطلقت معه فقرأت عليه القرآن " ويمكن الجمع بالتعدد كما سيأتي. قوله: (في طائفة من أصحابه) تقدم في أوائل المبعث في " باب ذكر الجن " أن ابن إسحاق وابن سعد ذكرا أن ذلك كان ذي القعدة سنة عشر من المبعث لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رجع منها، ويؤيده قوله في هذا الحديث " إن الجن رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر " والصلاة المفروضة إنما شرعت ليلة الإسراء والإسراء كان على الراجح قبل الهجرة بسنتين أو ثلاث فتكون القصة بعد الإسراء، لكنه مشكل من جهة أخرى، لأن محصل ما في الصحيح كما تقدم في بدء الخلق وما ذكره ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة، وهنا قال أنه انطلق في طائفة من أصحابه، فلعلها كانت وجهة أخرى. ويمكن الجمع بأنه لما رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطريق فرافقوه. قوله: (عامدين) أي قاصدين. قوله: (إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره ظاء معجمة بالصرف وعدمه، قال اللحياني الصرف لأهل الحجاز وعدمه لغة تميم، وهو موسم معروف للعرب. بل كان من أعظم مواسمهم، وهو نخل في واد بين مكة والطائف وهو إلى الطائف أقرب بينهما عشرة أميال، وهو وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء اليمن. وقال البكري: أول ما أحدثت قبل الفيل بخمس عشرة سنة، ولم تزل سوقا إلى سنة تسع وعشرين ومائة، فخرج الخوارج الحرورية فنهبوها فتركت إلى الآن، كانوا يقيمون به جميع شوال يتبايعون ويتفاخرون وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسان: سأنشر إن حييت لكم كلاما ينشر في المجامع من عكاظ وكان المكان الذي يجتمعون به منه يقال له الابتداء، وكانت هناك صخور يطوفون حولها. ثم يأتون مجنة فيقيمون بها عشرين ليلة من ذي القعدة. ثم يأتون ذا المجاز، وهو خلف عرفة فيقيمون به إلى وقت الحج، وقد تقدم في كتاب الحج شيء من هذا. وقال ابن التين: سوق عكاظ من إضافة الشيء إلى نفسه، كذا قال، وعلى ما تقدم من أن السوق كانت تقام بمكان من عكاظ يقال له الابتداء لا يكون كذلك. قوله: (وقد حيل) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتانية بعدها لام أي حجز ومنع على البناء للمجهول. قوله: (بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب) بضمتين جمع شهاب، وظاهر هذا أن الحيلولة وإرسال الشهب وقع في هذا الزمان المقدم ذكره والذي تضافرت به الأخبار أن ذلك وقع لهم من أول البعثة النبوية، وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين، وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين، ولا يعكر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر إنهما رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر، لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعا، وكذلك أصحابه لكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا؟ فيصح على هذا قول من قال: إن الفرض أولا كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها، والحجة فيه قوله تعالى {فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} ونحوها من الآيات، فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء، فتكون قصة الجن متقدمة من أول المبعث. وهذا الموضع مما لم ينبه عليه أحد ممن وقفت على كلامهم في شرح هذا الحديث. وقد أخرج الترمذي والطبري حديث الباب بسياق سالم من الإشكال الذي ذكرته من طريق أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال " كانت الجن تصعد إلى السماء الدنيا يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها أضعافا، فالكلمة تكون حقا وأما ما زادوا فيكون باطلا، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك " وأخرجه الطبري أيضا وابن مردويه وغيرها من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير مطولا وأوله " كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي " الحديث " فبينما هم كذلك إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فدحرت الشياطين من السماء، ورموا بالكواكب، فجعل لا يصعد أحد منهم إلا احترق، وفزع أهل الأرض لما رأوا من الكواكب ولم تكن قبل ذلك فقالوا: هلك أهل السماء كان أهل الطائف أول من تفطن لذلك فعمدوا إلى أموالهم فسيبوها وإلى عبيدهم فعتقوها، فقال لهم رجل: ويلكم لا تهلكوا أموالكم، فإن معالمكم من الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء، فأقلعوا. وقال إبليس: حدث في الأرض حدث، فأتى من كل أرض بتربة فشمها، فقال لتربة تهامة: هاهنا حدث الحدث، فصرف إليه نفرا من الجن، فهم الذين استمعوا القرآن " وعند أبي داود في " كتاب المبعث " من طريق الشعبي أن الذي قال لأهل الطائف ما قال هو عبد ياليل ابن عمرو، وكان قد عمى، فقال لهم: لا تعجلوا وانظروا، فإن كانت النجوم التي يرمي بها هي التي تعرف فهو عند فناء الناس، وإن كانت لا تعرف فهو من حدث فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف، فلم يلبثوا أن سمعوا بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أخرجه الطبري من طريق السدي مطولا، وذكر ابن إسحاق نحوه مطولا بغير إسناد في " مختصر ابن هشام"، زاد في رواية يونس بن بكير فساق سنده بذلك عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة ابن الأخنس أنه حدثه عن عبد الله بن عبد الله أنه حدثه أن رجلا من ثقيف يقال له عمرو بن أمية كان من أدهى العرب، وكان أول من فزع لما رمى بالنجوم من الناس، فذكر نحوه. وأخرجه ابن سعد من وجه آخر عن يعقوب ابن عتبة قال: أول العرب فزع من رمى النجوم ثقيف، فأتوا عمرو بن أمية. وذكر الزبير بن بكار في النسب نحوه بغير سياقه، ونسب القول المنسوب لعبد ياليل لعتبة بن ربيعه، فلعلهما تواردا على ذلك. فهذه الأخبار تدل على أن القصة وقعت أول البعثة وهو المعتمد، وقد استشكل عياض وتبعه القرطبي والنووي وغيرهما من حديث الباب موضعا آخر ولم يتعرضوا لما ذكرته، فقال عياض: ظاهر الحديث أن الرمي بالشهب لم يكن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لإنكار الشياطين له وطلبهم سببه، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب ومرجوعا إليها في حكمهم، حتى قطع سببها بأن حيل بين الشياطين وبين استراق السمع، كما قال تعالى في هذه السورة يؤيده ما ذكر في الحديث من إنكار الشياطين. قال وقال بعضهم: لم تزل الشهب يرمي بها مد كانت الدنيا، واحتجوا بما جاء في أشعار العرب من ذلك قال: وهذا مروى عن ابن عباس والزهري، ورفع فيه ابن عباس حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الزهري لمن اعترض عليه بقوله وهذا الحديث الذي أشار إليه أخرجه مسلم من طريق الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن رجال من الأنصار قالوا " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم فاستنار، فقال: ما كنتم تقولون لهذا إذا رمى به في الجاهلية "؟ الحديث. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر قال: سئل الزهري عن النجوم أكان يرمي بها في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكنه إذ جاء الإسلام غلظ وشدد. وهذا جمع حسن. ومحتمل أن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم "إذا رمى بها في الجاهلية " أي جاهلية المخاطبين، ولا يلزم أن يكون ذلك قبل المبعث فإن المخاطب بذلك الأنصار، وكانوا قبل إسلامهم في جاهلية، فإنهم لم يسلموا إلا بعد المبعث ثلاث عشرة سنة. وقال السهيلي: لم يزل القذف بالنجوم قديما، وهو موجود في أشعار قدماء الجاهلية كأوس بن حجر وبشر بن أبي حازم وغيرهما. وقال القرطبي: يجمع بأنها لم تكن يرمي بها قبل المبعث رميا يقطع الشياطين عن استراق السمع، ولكن كانت ترمى تارة ولا ترمى أخرى، وترمي من جانب ولا ترمي من جميع الجوانب، ولعل الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى ثم وجدت عن وهب بن منبه ما يرفع الإشكال ويجمع بين مختلف الأخبار قال: كان إبليس يصعد إلى السماوات كلهن يتقلب فيهن كيف شاء لا يمنع منذ أخرج آدم إلى أن رفع عيسى، فحجب حينئذ من أربع سماوات، فلما بعث نبينا حجب من الثلاث فصار يسترق السمع هو وجنوده ويقذفون بالكواكب. ويؤيده ما روى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد، فلما بعث محمد حرست حرسا شديدا ورجمت الشياطين، فأنكروا ذلك. ومن طريق السدي قال: إن السماء لم تكن تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين ظاهر، وكانت الشياطين قد اتخذت مقاعد يسمعون فيها ما يحدث، فلما بعث محمد رجموا. وقال الزين بن المنير: ظاهر الخبر أن الشهب لم تكن يرمى بها، وليس كذلك؛ لما دل عليه حديث مسلم. وأما قوله تعالى وأما قول السهيلي: لولا أن الشهاب قد يخطئ الشيطان لم يتعرض له مرة أخرى، فجوابه أنه يجوز أن يقع التعرض مع تحقق الإصابة لرجاء اختطاف الكلمة وإلقائها قبل إصابة الشهاب، ثم لا يبالي المختطف بالإصابة لما طبع عليه من الشر كما تقدم. وأخرج العقيلي وابن منده وغيرهما وذكره أبو عمر بغير سند من طريق لهب - بفتحتين ويقال بالتصغير - ابن مالك الليثي قال: ذكرت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكهانة فقلت: نحن أول من عرف حراسة السماء ورجم الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم، وذلك أنا اجتمعنا عند كاهن لنا يقال له خطر بن مالك - وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتان وستة وثمانون سنة- فقلنا: يا خطر، هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمي بها، فإنا فزعنا منها وحفنا سوء عاقبتها؟ الحديث، وفيه: فانقض نجم عظيم من السماء، فصرخ الكاهن رافعا صوته: أصابه أصابه خامره عذابه أحرقه شهابه الأبيات، وفي الخبر أنه قال أيضا: قد منع السمع عتاة الجان بثاقب يتلف ذي سلطان من أجل مبعوث عظيم الشان وفيه أنه قال: أرى لقومي ما أرى لنفسي أن يتبعوا خير نبي الإنس الحديث بطوله، قال أبو عمر: سنده ضعيف جدا، ولولا فيه حكم لما ذكرته لكونه علما من أعلام النبوة والأصول. فإن قيل إذا كان الرمي بها غلظ وشدد بسبب نزول الوحي فهلا انقطع بانقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نشاهدها الآن يرمى بها؟ فالجواب يؤخذ من حديث الزهري المتقدم، ففيه عند مسلم قالوا: كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا ترمي لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا إذا قضى أمرا أخبر أهل السماوات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون به إلى أوليائهم. فيؤخذ من ذلك أن سبب التغليظ والحفظ لم ينقطع لما يتجدد من الحوادث التي تلقي بأمره إلى الملائكة، فإن الشياطين مع شدة التغليظ عليهم في ذلك بعد المبعث لم ينقطع طمعهم في استراق السمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بما بعده، وقد قال عمر لغيلان بن سلمة لما طلق نساءه: إني أحسب أن الشياطين فيما تسترق السمع سمعت بأنك ستموت فألقت إليك ذلك الحديث، أخرجه عبد الرزاق وغيره. فهذا ظاهر في أن استراقهم السمع استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقصدون استماع الشيء مما يحدث فلا يصلون إلى ذلك إلا إن اختطف أحدهم بخفة حركته خطفة فيتبعه الشهاب، فإن أصابه قبل أن يلقيها لأصحابه فاتت وإلا سمعوها وتداولوها، وهذا يرد على قول السهيلي المقدم ذكره. قوله: (قال ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث) الذي قال لهم ذلك هو إبليس كما تقدم في رواية أبي إسحاق المتقدمة قريبا. قوله: (فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها) أي سيروا فيها كلها، ومنه قوله تعالى قوله: (فانطلق الذين توجهوا) قيل كان هؤلاء المذكورون من الجن على دين اليهود، ولهذا قالوا " أنزل من بعد موسى " وأخرج ابن مردويه من طريق عمر بن قيس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنهم كانوا تسعة، ومن طريق النضر بن عربي عن عكرمة عن ابن عباس كانوا سبعة من أهل نصيبين، وعند ابن أبي حاتم من طريق مجاهد نحوه لكن قال: كانوا أربعة من نصيبين وثلاثة من حران، وهم حسا ونسا وشاصر وماضر والأدرس ووردان والأحقب. ونقل السهيلي في " التعريف " أن ابن دريد ذكر منهم خمسة: شاصر وماضر ومنشي وناشي والأحقب. قال وذكر يحيى بن سلام وغيره قصة عمرو بن جابر وقصة سرق وقصة زوبعة قال: فإن كانوا سبعة فالأحقب لقب أحدهم لا اسمه. واستدرك عليه ابن عسكر ما تقدم عن مجاهد قال: فإذا ضم إليهم عمرو وزوبعة وسرق وكان الأحقب لقبا كانوا تسعة. قلت: هو مطابق لرواية عمر بن قيس المذكورة. وقد روى ابن مردويه أيضا من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس: كانوا اثنى عشر ألفا من جزيرة الموصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: أنظرني حتى آتيك. وخط عليه خطا. الحديث. والجمع بين الروايتين تعدد القصة، فإن الذين جاءوا أولا كان سبب مجيئهم ما ذكر في الحديث من إرسال الشهب، وسبب مجيء الذين في قصة ابن مسعود أنهم جاءوا لقصد الإسلام وسماع القرآن والسؤال عن أحكام الدين، وقد بينت ذلك في أوائل المبعث في الكلام على حديث أبي هريرة، وهو من أقوى الأدلة على تعدد القصة فإن أبا هريرة إنما أسلم بعد الهجرة، والقصة الأولى كانت عقب المبعث، ولعل من ذكر في القصص المفرقة كانوا ممن وفد بعد، لأنه ليس في كل قصة منها إلا أنه كان ممن وفد، وقد ثبت تعدد وفودهم. وتقدم في بدء الخلق كثير مما يتعلق بأحكام الجن والله المستعان. قوله: (نحو تهامة) بكسر المثناة اسم لكل مكان غير عال من بلاد الحجاز، سميت بذلك لشدة حرها اشتقاقا من التهم بفتحتين وهو شدة الحر وسكون الريح، وقيل من تهم الشيء إذا تغير، قيل لها ذلك لتغير هوائها. قال البكري: حدها من جهة الشرق ذات عرق، ومن قبل الحجاز السرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية من عمل الفرع بينها وبين المدينة اثنان وسبعون ميلا. قوله: (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية أبي إسحاق: فانطلقوا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وهو عامد) كذا هنا، وتقدم في صفة الصلاة بلفظ " عامدين " ونصب على الحال من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه، أو ذكر بلفظ الجمع تعظيما له، وهو أظهر لمناسبة الرواية التي هنا. قوله: (بنخلة) بفتح النون وسكون المعجمة موضع بين مكة والطائف، قال البكري: على ليلة من مكة. وهي التي ينسب إليها بطن نخل. ووقع في رواية مسلم بنخل بلا هاء والصواب إثباتها. قوله: (يصلي بأصحابه صلاة الفجر) لم يختلف علي ابن عباس في ذلك، ووقع في رواية عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: قال الزبير - أو ابن الزبير - كان ذلك بنخلة والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء، وخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال: قال الزبير فذكره، وزاد: فقرأ وكذا أخرجه ابن أبي حاتم، وهذا منقطع، والأول أصح. قوله: (تسمعوا له) أي قصدوا لسماع القرآن وأصغوا إليه. قوله: (فهنالك) هو ظرف مكان والعامل فيه قالوا. وفي رواية " فقالوا " والعامل فيه رجعوا. قوله: (رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا) قال الماوردي: ظاهر هذا أنهم آمنوا عند سماع القرآن، قال: والإيمان يقع بأحد أمرين: إما بأن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة فيقع له العلم بصدق الرسول، أو يكون عنده علم من الكتب الأولى فيها دلائل على أنه النبي المبشر به، وكلا الأمرين في الجن محتمل. والله أعلم. قوله: (وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم. قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن) زاد الترمذي " قال ابن عباس: وقول الجن لقومهم: لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا، قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يصلون بصلاته يسجدون بسجوده، قال فتعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم ذلك". قوله: (وإنما أوحي إليه قول الجن) هذا كلام ابن عباس، كأنه تقرر فيه ما ذهب إليه أولا أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتمع بهم، وإنما أوحى الله إليه بأنهم استمعوا، ومثله قوله تعالى ولكن لا يلزم من عدم ذكر اجتماعه بهم حين استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك كما تقدم تقريره. وفي الحديث إثبات وجود الشياطين والجن وأنهما لمسمى واحد، وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان، فلا يقال لمن آمن منهم إنه شيطان. وفيه أن الصلاة في الجماعة شرعت قبل الهجرة. وفيه مشروعيتها في السفر. والجهر بالقراءة في صلاة الصبح، وأن الاعتبار بما قضى الله للعبد من حسن الخاتمة لا بما ظهر منه من الشر ولو بلغ ما بلغ، لأن هؤلاء الذين بادروا إلى الإيمان بمجرد استماع القرآن لو لم كونوا عند إبليس في أعلى مقامات الشر ما اختارهم للتوجه إلى الجهة التي ظهر له أن الحدث الحادث من جهتها. ومع ذلك فغلب عليهم ما قضى لهم من السعادة بحسن الخاتمة، ونحو ذلك قصة سحرة فرعون، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَتَبَتَّلْ أَخْلِصْ وَقَالَ الْحَسَنُ أَنْكَالًا قُيُودًا مُنْفَطِرٌ بِهِ مُثْقَلَةٌ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَثِيبًا مَهِيلًا الرَّمْلُ السَّائِلُ وَبِيلًا شَدِيدًا الشرح: قوله: (سورة المزمل والمدثر) كذا لأبي ذر، واقتصر الباقون على المزمل وهو أولى، لأنه أفرد المدثر بعد بالترجمة. والمزمل بالتشديد أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي، وقد جاءت قراءة أبي بن كعب على الأصل. قوله: (وقال مجاهد وتبتل أخلص) وصله الفريابي وغيره، وقد تقدم في كتاب قيام الليل. قوله: (وقال الحسن: أنكالا قيودا) وصله عبد بن حميد والطبري من طريق الحسن البصري. وقال أبو عبيدة: الأنكال واحدها نكل بكسر النون وهو القيد، وهذا هو المشهور. وقيل النكل الغل. قوله: (منفطر به مثقلة به) وصله عبد بن حميد من وجه آخر عن الحسن البصري في قوله وعلى هذا فالضمير لله، ومحتمل أن يكون الضمير ليوم القيامة. وقال أبو عبيدة: أعاد الضمير مذكرا لأن مجاز السماء مجاز السقف، يريد قوله منفطر، ويحتمل أن يكون على حذف والتقدير شيء منفطر. قوله: (وقال ابن عباس: كثيبا مهيلا الرمل السائل) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به، وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس ولفظه: المهيل إذا أخذت منه شيئا يتبعك آخره، والكثيب الرمل. وقال الفراء: الكثيب الرمل والمهيل الذي تحرك أسفله فينهال عليك أعلاه. قوله: (وبيلا شديدا) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال أبو عبيدة مثله. (تنبيه) : لم يورد المصنف في سورة المزمل حديثا مرفوعا، وقد أخرج مسلم حديث سعيد بن هشام عن عائشة فيما يتعلق منها بقيام الليل وقولها فيه " فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضته " ويمكن أن يدخل في قوله تعالى في آخرها الشرح: قوله: (سورة المدثر - بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر، قرأ أبي بن كعب بإثبات المثناة المفتوحة بغير إدغام كما تقدم في المتزمل، وقرأ عكرمة فيهما بخفيف الزاي والدال اسم فاعل. الحديث: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَسِيرٌ شَدِيدٌ قَسْوَرَةٌ رِكْزُ النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ وَكُلُّ شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْقَسْوَرَةُ قَسْوَرٌ الْأَسَدُ الرِّكْزُ الصَّوْتُ مُسْتَنْفِرَةٌ نَافِرَةٌ مَذْعُورَةٌ الشرح: قوله: (قال ابن عباس: عسير شديد) وصله ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس به. قوله: (قسورة ركز الناس وأصواتهم) وصله سفيان بن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى قوله: (وقال شديد قسورة) زاد النسفي: وقسور. وسيأتي القول فيه مبسوطا. قوله: (وقال أبو هريرة: القسور قسور الأسد، الركز الصوت) سقط قوله " الركز الصوت " لغير أبي ذر، وقد وصله عبد بن حميد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كان أبو هريرة إذا قرأ وهذا منقطع بين زيد وأبي هريرة. وقد أخرجه من وجهين آخرين عن زيد بن أسلم عن ابن سيلان عن أبي هريرة وهو متصل، ومن هذا الوجه أخرجه البزار، وجاء عن ابن عباس أنه بالحبشية، أخرجه ابن جرير من طريق يوسف بن مهران عنه قال: القسورة الأسد بالعربية، وبالفارسية شير، وبالحبشية قسورة. وأخرج الفراء من طريق عكرمة أنه قيل له: القسورة بالحبشية الأسد، فقال: القسورة الرماة والأسد بالحبشية عنبسة. وأخرجه ابن أبي حازم عن ابن عباس، وتفسيره بالرماة أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم من حديث أبي موسى الأشعري، ولسعيد من طريق ابن أبي حمزة قلت لابن عباس: القسورة الأسد؟ قال: ما أعلمه بلغة أحد من العرب، هم عصب الرجال. قوله: (مستنفرة نافر مذعورة) قال أبو عبيدة في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُلْتُ يَقُولُونَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي قُلْتَ فَقَالَ جَابِرٌ لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا قَالَ فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا قَالَ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ الشرح: قوله: (حدثني يحيى) هو ابن موسى البلخي أو ابن جعفر. قوله: (عن علي بن المبارك) هو الهنائي بضم ثم نون خفيفة ومد. بصرى ثقة مشهور، ما بينه وبين عبد الله ابن المبارك المشهور قرابة الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ قَالَا حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ مِثْلَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ الشرح: قوله: (حدثني محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره) هو أبو داود الطيالسي أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أبي عروبة حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدى وأبو داود قالا حدثنا حرب بن شداد به. قوله: (عن أبي سلمة) كذا قال أكثر الرواة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة. وقال شيبان بن عبد الرحمن: عن يحيى عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن جابر، أخرجه النسائي من طريق آدم بن أبي إياس عن شيبان، وهكذا ذكره البخاري في " التاريخ " عن آدم، ورواه سعد بن حفص عن شيبان كرواية الجماعة وهو المحفوظ. قوله: (مثل حديث عثمان بن عمر عن علي بن المبارك) لم يخرج البخاري رواية عثمان بن عمر التي أحال رواية حرب بن شداد عليها، وهي عند محمد بن بشار شيخ البخاري فيه أخرجه أبو عروبة في " كتاب الأوائل " قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا علي بن المبارك، وهكذا أخرجه مسلم والحسن بن سفيان جميعا عن أبي موسى محمد بن المثنى عن عثمان بن عمر *3* الشرح: قوله: (باب قوله وربك فكبر) ذكر فيه حديث جابر المذكور من طريق حرب بن شداد أيضا عن يحيى بن أبي كثير. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فَقُلْتُ أُنْبِئْتُ أَنَّهُ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فَقُلْتُ أُنْبِئْتُ أَنَّهُ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فَقَالَ لَا أُخْبِرُكَ إِلَّا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا وَأُنْزِلَ عَلَيَّ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ الشرح: قوله: (سألت أبا سلمة) أي ابن عبد الرحمن بن عوف. قوله: (فقلت أنبئت أنه اقرأ باسم ربك) في رواية أبي داود الطيالسي عن حرب " قلت أنه بلغني أنه أول ما نزل اقرأ باسم ربك " ولم يبين يحيى بن أبي كثير من أنبأه بذلك، ولعله يريد عروة بن الزبير، كما لم يبين أبو سلمة من أنبأه بذلك، ولعله يريد عائشة فإن الحديث مشهور عن عروة عن عائشة كما تقدم في بدء الوحي من طريق الزهري عنه مطولا، وتقدم هناك أن رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر تدل على أن المراد بالأولية في قوله " أول ما نزل سورة المدثر " أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي، أو مخصوصة بالأمر بالإنذار، لا أن المراد أنها أولية مطلقة، فكأن من قال أول ما نزل اقرأ أراد أولية مطلقة، ومن قال إنها المدثر أراد بقيد التصريح بالإرسال. قال الكرماني استخرج جابر " أول ما نزل يا أيها المدثر " باجتهاد وليس هو من روايته، والصحيح ما وقع في حديث عائشة، ويحتمل أن يكون قوله في هذه الرواية " فرأيت شيئا - أي جبريل - بحراء، فقال لي: اقرأ فخفت، فأتيت خديجة فقلت: دثروني فنزلت يا أيها المدثر " قلت: ويحتمل أن تكون الأولية في نزول يا أيها المدثر بقيد السبب، أي هي أول ما نزل من القرآن بسبب متقدم وهو ما وقع من التدثر الناشئ عن الرعب، وأما اقرأ فنزلت ابتداء بغير سبب متقدم، ولا يخفى بعد هذا الاحتمال. وفي أول سورة نزلت قول آخر نقل عن عطاء الخراساني قال: المزمل نزلت قبل المدثر. وعطاء ضعيف، وروايته معضلة لأنه لم يثبت لقاؤه لصحابي معين، وظاهر الأحاديث الصحيحة تأخر المزمل لأن فيها ذكر قيام الليل وغير ذلك ما تراخي عن ابتداء نزول الوحي، بخلاف المدثر فإن فيها {قم فأنذر}. وعن مجاهد: أول سورة نزلت ن والقلم، وأول سورة نزلت بعد الهجرة ويل للمطففين. والمشكل من رواية يحيى بن أبي كثير قوله " جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت - إلى أن قال - فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء - يعني جبريل - فأتيت خديجة فقلت: دثروني". ويزيل الإشكال أحد أمرين: إما أن يكون سقط على يحيى بن أبي كثير وشيخه من القصة مجيء جبريل بحراء باقرأ باسم ربك وسائر ما ذكرته عائشة، وإما أن يكون جاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا آخر، فقد تقدم أن في مرسل عبيد بن عمير عند البيهقي أنه كان يجاور في كل سنة شهرا وهو رمضان، وكان ذلك في مدة فترة الوحي، فعاد إليه جبريل بعد انقضاء جواره. قوله: (فجئثت) يأتي ضبطه في سورة اقرأ إن شاء الله تعالى الشرح: قوله: (وثيابك فطهر) ذكر فيه حديث جابر المذكور، لكن من رواية الزهري عن أبي سلمة، وأورده بإسنادين من طريق عقيل ومعمر، وساقه على لفظ معمر، وساق لفظ عقيل في الباب الذي يليه. ووقع في آخر الحديث وأخرج من وجه آخر عنه قال: فطهر من الإثم. ومن طريق عن قتادة والشعبي وغيرهما نحوه. ومن وجه ثالث عن ابن عباس قال: لا تلبسها على غدرة ولا فجرة. ومن طريق طاوس قال: شمر. ومن طريق منصور - قال وعن مجاهد مثله - قال: أصلح عملك. وأخرجه سعيد بن منصور أيضا عن طريق منصور عن مجاهد، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن أبي رزين مثله. وأخرج ابن المنذر من طريق الحسن قال: خلقك فحسنه. وقال الشافعي رحمه الله: قبل في قوله {وثيابك فطهر} صل في ثياب طاهره، وقيل غير ذلك، والأول أشبه. انتهى. ويؤيد ما أخرج ابن المنذر في سبب نزولها من طريق زيد بن مرثد قال " ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم جزور فنزلت " ويجوز أن يكون المراد جميع ذلك. *3* الشرح: قوله: (والرجز فاهجر، يقال الرجز والرجس العذاب) هو قول أبي عبيدة، وقد تقدم في الذي قبله أن الرجز الأوثان، وهو تفسير معنى، أي أهجر أسباب الرجز أي العذاب وهي الأوثان. وقال الكرماني: فسر المفرد بالجمع لأنه اسم جنس، وبين ما في سياق رواية الباب أن تفسيرها بالأوثان من قول أبي سلمة، وعند ابن مردويه من طريق محمد بن كثير عن معمر عن الزهري في هذا الحديث: والرجز بضم الراء، وهي قراءة حفص عن عاصم، قال أبو عبيدة: هما بمعنى، ويروى عن مجاهد والحسن بالضم اسم الصنم وبالكسر اسم العذاب الشرح: قوله: (سورة القيامة) تقدم الكلام على {لا أقسم} في آخر سورة الحجر وأن الجمهور على أن " لا " زائدة والتقدير أقسم، وقيل هي حرف تنبيه مثل " ألا " ومنه قول الشاعر: لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وقوله قال: وهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه، وإن كانت الآثار غير واردة فيه. والحامل على ذلك عسر بيان المناسبة بين هذه الآية وما قبلها من أحوال القيامة، حتى زعم بعض الرافضة أنه سقط من السور شيء، وهي من جملة دعاويهم الباطلة. وقد ذكر الأئمة لها مناسبات: منها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر القيامة، وكان من شأن من يقصر عن العمل لها حب العاجلة، وكان من أصل الدين أن المبادرة إلى أفعال الخير مطلوبة، فنبه على أنه قد يعترض على هذا المطلوب ما هو أجل منه وهو الإصغاء إلى الوحي وتفهم ما يرد منه، والتشاغل بالحفظ قد يصد عن ذلك، فأمر أن لا يبادر إلى التحفظ لأن تحفيظه مضمون على ربه، وليصغ إلى ما يرد عليه إلى أن ينقضي فيتبع ما اشتمل عليه. ثم لما انقضت الجملة المعترضة رجع الكلام إلى ما يتعلق بالإنسان المبدأ بذكره ومن هو من جنسه فقال {كلا} وهي كلمة ردع، كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم لكونكم خلقتم من عجل تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة، وهذا على قراءة {تحبون} بالمثناة وهي قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة حملا على لفظ الإنسان لأن المراد به الجنس. ومنها أن عادة القرآن إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد حيث يعرض يوم القيامة أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملا وتركا، كما قال في الكهف {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه - إلى أن قال - ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} وقال تعالى في سبحان {فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم - إلى أن قال - ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن} الآية. وقال في طه {يوم ينفخ في السور، ونحشر المجرمين يومئذ زرقا - إلى أن قال - فتعالى الله الملك الحق، ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه، وقل رب زدني علما} ومنها أن أول السورة لما نزل إلى قوله قال الفخر الرازي: ونحوه ما لو ألقي المدرس على الطالب مثلا مسألة فتشاغل الطالب بشيء عرض له، فقال له: ألق بالك وتفهم ما أقول، ثم كمل المسألة، فمن لا يعرف السبب يقول ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة، بخلاف من عرف ذلك. ومنها أن النفس لما تقدم ذكرها في أول السورة عدل إلى ذكر نفس المصطفى كأنه قيل: هذا شأن النفوس وأنت يا محمد نفسك أشرف النفوس فلتأخذ بأكمل الأحوال. ومنها مناسبات أخرى ذكرها الفخر الرازي لا طائل فيها مع أنها لا تخلو عن تعسف. قوله: (وقال ابن عباس ليفجر أمامه سوف أتوب سوف أعمل) وصله الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: ووصله الفريابي والحاكم وابن جبير عن مجاهد قال: يقول سوف أتوب. ولابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو الكافر يكذب بالحساب ويفجر أمامه، أي يدوم على فجوره بغير توبة. قوله: (لا وزر لا حصن) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، لكن قال " حرز " بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي. ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال " لا حصن ولا ملجأ " ولابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي سعيد عن ابن مسعود في قوله: (لا وزر) قال: لا حصن، ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال: كان الرجل يكون في ماشيته فتأتيه الخيل بغتة، فيقول له صاحبه: الوزر الوزر، أي اقصد الجبل فتحصن به. وقال أبو عبيدة: الوزر الملجأ. قوله: (سدى هملا) وقع هذا مقدما على ما قبله لغير أبي ذر، وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به. وقال أبو عبيدة في قوله: (سدى) أي لا ينهى ولا يؤمر، قالوا أسديت حاجتي أي أهملتها. *3* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ سَوْفَ أَتُوبُ سَوْفَ أَعْمَلُ لَا وَزَرَ لَا حِصْنَ سُدًى هَمَلًا الحديث: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ وَكَانَ ثِقَةً عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ حَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ وَوَصَفَ سُفْيَانُ يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ الشرح: قوله: (حدثنا موسى بن أبي عائشة وكان ثقة) هو مقول ابن عيينة، وهو تابعي صغير كوفي من موالي آل جعدة بن هبيرة يكنى أبا الحسن، واسم أبيه لا يعرف، ومدار هذا الحديث عليه. وقد تابعه عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير، وهو من رواية ابن عيينة أيضا عنه، فمن أصحاب ابن عيينة من وصله بذكر ابن عباس فيه منهم أبو كريب عند الطبري. ومنهم من أرسله منهم سعيد بن منصور. قوله: (حرك به لسانه ووصف سفيان يريد أن يحفظه) في رواية سعيد بن منصور " وحرك سفيان شفتيه " وفي رواية أبي كريب " تعجل يريد حفظه فنزلت". قوله: (فأنزل الله: لا تحرك به لسانك لتعجل به) إلى هنا رواية أبي ذر، وزاد غيره الآية التي بعدها، وزاد سعيد بن منصور في روايته في آخر الحديث " وكان لا يعرف ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم". *3* الشرح: قوله: (باب إن علينا جمعه وقرآنه) ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور من رواية إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة أتم من رواية ابن عيينة، وقد استغربه الإسماعيلي فقال: كذا أخرجه عن عبيد الله بن موسى، ثم أخرجه هو من طريق أخرى عن عبيد الله المذكور بلفظ الحديث: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ يَخْشَى أَنْ يَنْفَلِتَ مِنْهُ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ أَنْ تَقْرَأَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ يَقُولُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ أَنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ الشرح: قوله: (باب إن علينا جمعه وقرآنه) ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور من رواية إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة أتم من رواية ابن عيينة، وقد استغربه الإسماعيلي فقال: كذا أخرجه عن عبيد الله بن موسى، ثم أخرجه هو من طريق أخرى عن عبيد الله المذكور بلفظ *3* قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأْنَاهُ بَيَّنَّاهُ فَاتَّبِعْ اعْمَلْ بِهِ الشرح: قوله: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، قال ابن عباس: قرأناه بيناه، فاتبع اعمل به) هذا التفسير رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم، وسيأتي في الباب عن ابن عباس تفسيره بشيء آخر. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ الَّتِي فِي لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ قَالَ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ قَالَ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى تَوَعُّدٌ الشرح: قوله: (إذا نزل جبريل عليه) في رواية أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة كما تقدم في بدء الوحي " كان يعالج من التنزيل شدة " وهذه الجملة توطئة لبيان السبب في النزول، وكانت الشدة تحصل له عند نزول الوحي لثقل القول كما تقدم في بدء الوحي من حديث عائشة، وتقدم من حديثها في قصة الإفك " فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء " وفي حديثها في بدء الوحي أيضا " وهو أشده علي " لأنه يقتضي الشدة في الحالتين المذكورتين لكن إحداهما أشد من الأخرى. قوله: (وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه) اقتصر أبو عوانة على ذكر الشفتين وكذلك إسرائيل، واقتصر سفيان على ذكر اللسان، والجميع مراد إما لأن التحريكين متلازمان غالبا، أو المراد يحرك فمه المشتمل على الشفتين واللسان، لكن لما كان اللسان هو الأصل في النطق اقتصر في الآية عليه. قوله: (فيشتد عليه) ظاهر هذا السياق أن السبب في المبادرة حصول المشقة التي يجدها عند النزول، فكان يتعجل بأخذه لتزول المشقة سريعا. وبين في رواية إسرائيل أن ذلك كان خشية أن ينساه حيث قال " فقيل له لا تحرك به لسانك تخشى أن ينفلت". وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عن الحسن " كان يحرك به لسانه يتذكره، فقيل له إنا سنحفظه عليك " وللطبري من طريق الشعبي " كان إذا نزل عليه عجل يتكلم به من حبه إياه، وظاهره أنه كان يتكلم بما يلقى إليه منه أولا فأولا من شدة حبه إياه، فأمر أن يتأنى إلى أن ينقضي النزول. ولا بعد في تعدد السبب. ووقع في رواية أبي عوانة " قال ابن عباس: فأنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما " وقال سعيد " أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما " فأطلق في خبر ابن عباس وقيد بالرؤية في خبر سعيد لأن ابن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال، لأن الظاهر أن ذلك كان في مبدأ المبعث النبوي، ولم يكن ابن عباس ولد حينئذ، ولكن لا مانع أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعد فيراه ابن عباس حينئذ، وقد ورد ذلك صريحا عند أبي داود الطيالسي مسنده عن أبي عوانة بسنده بلفظ " قال ابن عباس: فأنا أحرك لك شفتي كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم". وأفادت هذه الرواية إبراز الضمير في رواية البخاري حيث قال فيها " فأنا أحركهما " ولم يتقدم للشفتين ذكر، فعلمنا أن ذلك من تصرف الرواة. قوله: (فأنزل الله) أي بسبب ذلك. واحتج بهذا من جوز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم، وجوز الفخر الرازي أن يكون أذن له في الاستعجال إلى وقت ورود النهي عن ذلك فلا يلزم وقوع الاجتهاد في ذلك، والضمير في " به " عائد على القرآن وإن لم يجر له ذكر، لكن القرآن يرشد إليه، بل دل عليه سياق الآية. قوله: (علينا أن نجمعه في صدرك) كذا فسره ابن عباس وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة تفسيره بالحفظ، ووقع في رواية أبي عوانة " جمعه لك في صدرك " ورواية جرير أوضح. وأخرج الطبري عن قتادة أن معنى جمعه تأليفه. قوله: (وقرآنه) زاد في رواية إسرائيل " أن تقرأه " أي أنت. ووقع في رواية الطبري " وتقرأه بعد " قوله: (فإذا قرأناه) أي قرأه عليك الملك (فاتبع قرآنه، فإذا أنزلناه فاستمع) هذا تأويل آخر لابن عباس غير المنقول عنه في الترجمة. وقد وقع في رواية ابن عيينة مثل رواية جرير. وفي رواية إسرائيل نحو ذلك. وفي رواية أبي عوانة " فاستمع وأنصت " ولا شك أن الاستماع أخص من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء والإنصات السكوت، ولا يلزم من السكوت الإصغاء، وهو مثل قوله تعالى وعند الطبري من طريق قتادة في قوله استمع: اتبع حلاله واجتنب حرامه. ويؤيد ما وقع في حديث الباب قوله في آخر الحديث " فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه، والضمير في قوله: (فاتبع قرآنه) لجبريل، والتقدير: فإذا انتهت قراءة جبريل فاقرأ أنت. قوله: (ثم إن علينا بيانه، علينا أن نبينه بلسانك) في رواية إسرائيل " على لسانك". وفي رواية أبي عوانة " أن تقرأه " وهي بمثناة فوقانية، واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو مذهب الجمهور من أهل السنة، ونص عليه الشافعي، لما تقتضيه " ثم " من التراخي. وأول من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب وتبعوه، وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى، وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له وظهوره على لسانه فلا، قال الآمدي: يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل، يقال بأن الكوكب إذا ظهر، قال: ويؤيد ذلك أن المراد جميع القرآن، والمجمل إنما هو بعضه، ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور دون بعض. وقال أبو الحسين البصري: يجوز أن يراد البيان التفصيلي ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجمالي، فلا يتم الاستدلال. وتعقب باحتمال إرادة المعنيين الإظهار والتفصيل وغير ذلك، لأن قوله " بيانه " جنس مضاف فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك، وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في بدء الوحي وأعيد بعضه هنا استطرادا *3* يُقَالُ مَعْنَاهُ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَهَلْ تَكُونُ جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا وَهَذَا مِنْ الْخَبَرِ يَقُولُ كَانَ شَيْئًا فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ أَمْشَاجٍ الْأَخْلَاطُ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ وَيُقَالُ إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ كَقَوْلِكَ خَلِيطٌ وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ وَيُقَالُ سَلَاسِلًا وَأَغْلَالًا وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ مُسْتَطِيرًا مُمْتَدًّا الْبَلَاءُ وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ يُقَالُ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُمَاطِرٌ وَالْعَبُوسُ وَالْقَمْطَرِيرُ وَالْقُمَاطِرُ وَالْعَصِيبُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْأَيَّامِ فِي الْبَلَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ النُّضْرَةُ فِي الْوَجْهِ وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْأَرَائِكِ السُّرُرُ وَقَالَ الْبَرَاءُ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا وَقَالَ مَعْمَرٌ أَسْرَهُمْ شِدَّةُ الْخَلْقِ وَكُلُّ شَيْءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ وَغَبِيطٍ فَهُوَ مَأْسُورٌ الشرح: قوله: (سورة هل أتى على الإنسان - بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر. قوله: (يقال معناه أتى على الإنسان، و " هل " تكون جحدا وتكون خبرا، وهذا من الخبر) كذا للأكثر وفي بعض، النسخ " وقال يحيى " وهو صواب لأنه قول يحيى بن زياد الفراء بلفظه، وزاد: لأنك تقول هل وعظمتك، هل أعطيتك؟ تقرره بأنك وعظته وأعطيته. والجحد أن تقول: هل يقدر أحد على مثل هذا؟ والتحرير أن " هل " للاستفهام، لكن تكون تارة للتقرير وتارة للإنكار، فدعوى زيادتها لا يحتاج إليه. وقال أبو عبيدة (هل أتى) معناه قد أتى وليس باستفهام. وقال غيره: بل هي للاستفهام التقريري، كأنه قيل لمن أنكر البعث ونحوه قوله: (يقول كان شيئا فلم يكن مذكورا، وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح) هو كلام الفراء أيضا، وحاصله انتفاء الموصوف بانتفاء صفته. ولا حجة فيه للمعتزلة في دعواهم أن المعدوم شيء. قوله: (أمشاج الأخلاط: ماء المرأة وماء الرجل الدم والعلقة، ويقال إذا خلط مشيج كقولك خليط، وممشوج مثل مخلوط) هو قول الفراء قال في قوله: (أمشاج نبتليه) : وهو ماء المرأة وماء الرجل، والدم والعلقة، ويقال للشيء من هذا إذا خلط مشيج كقولك خليط، وممشوج كقولك مخلوط. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال: من الرجل الجلد والعظم، ومن المرأة الشعر والدم، ومن طريق الحسن: من نطفة مشجت بدم وهو دم الحيض. ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمشاج قال مختلفة الألوان. ومن طريق ابن جريج عن مجاهد قال: أحمر وأسود. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: الأمشاج إذا اختلط الماء والدم ثم كان علقة ثم كان مضغة. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: الأمشاج العروق. قوله: (سلاسلا وأغلالا) في رواية أبي ذر " ويقال سلاسلا وأغلالا". قوله: (ولم يجر بعضهم) هو بضم التحتانية وسكون الجيم وكسر الراء بغير إشباع علامة للجزم، وذكر عياض أن في رواية الأكثر بالزاي بدل الراء ورجح الراء وهو الأوجه، والمراد أن بعض القراء أجرى سلاسلا وبعضهم لم يجرها أي لم يصرفها، وهذا اصطلاح قديم يقولون للاسم المصروف مجرى. والكلام المذكور للفراء، قال في قوله تعالى (إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا) كتبت سلاسل بالألف وأجراها بعض القراء مكان الألف التي في آخرها، ولم يجر بعضهم واحتج بأن العرب قد ثبت الألف في النصب وتحذفها عند الوصل، قال: وكل صواب انتهى. ومحصل ما جاء من القراءات المشهورة في سلاسل التنوين وعدمه، ومن لم ينون منهم من يقف بألف وبغيرها، فنافع والكسائي وأبو بكر بن عياش وهشام بن عمار قرءوا بالتنوين، والباقون بغير تنوين، فوقف أبو عمرو بالألف ووقف حمزة بغير ألف، وجاء مثله في رواية عن ابن كثير، وعن حفص وابن ذكوان الوجهان، أما من نون فعلى لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف حكاها الكسائي والأخفش وغيرهما، أو على مشاكلة أغلالا. وقد ذكر أبو عبيدة أنه رآها في إمام أهل الحجاز والكوفة " سلاسلا " بالألف، وهذه حجة من وقف بالألف اتباعا للرسم، وما عدا ذلك واضح. والله أعلم. قوله: (مستطيرا ممتدا البلاء) هو كلام الفراء أيضا وزاد: والعرب تقول استطار الصدع في القارورة وشبهها واستطال. وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال: استطار والله شره حتى ملأ السماء والأرض. ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مستطيرا) قال: فاشيا. قوله: (والقمطرير الشديد، يقال يوم قمطرير ويوم قماطر، والعبوس والقمطرير والقماطر والعصيب أشد ما يكون من الأيام في البلاء) هو كلام أبي عبيدة بتمامه. وقال الفراء: قمطرير أي شديد، ويقال يوم قمطرير ويوم قماطر. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: القمطرير تقبيض الوجه، قال معمر وقال يوم الشديد. قوله: (وقال الحسن: النضرة في الوجه والسرور في القلب) سقط هذا هنا لغير النسفي والجرجاني، وقد تقدم ذلك في صفة الجنة. قوله: (وقال ابن عباس: الأرائك السرر) ثبت هذا للنسفي والجرجاني، وقد تقدم أيضا في صفة الجنة. قوله: (وقال البراء: وذللت قطوفها يقطفون كيف شاءوا) ثبت هذا للنسفي وحده أيضا، وقد وصله سعيد بن منصور عن شريك عن أبي إسحاق عن البراء في قوله: ومن طريق مجاهد: إن قام ارتفعت وإن قعد تدلت. ومن طريق قتادة: لا يرد أيديهم شوك ولا بعد. قوله: (وقال مجاهد: سلسبيلا حديد الجرية) ثبت هذا للنسفي وحده، وتقدم في صفة الجنة. قوله: (وقال معمر أسرهم شدة الخلق، وكل شيء شددته من قتب وغبيط فهو مأسور) سقط هذا لأبي ذر عن المستملي وحده، ومعمر المذكور هو أبو عبيدة معمر بن المثنى، وظن بعضهم أنه ابن راشد فزعم أن عبد الرزاق أخرجه في تفسيره عنه، ولفظ أبي عبيدة: أسرهم شدة خلقهم، ويقال للفرس شديد الأسر أي شديد الخلق وكل شيء إلى آخر كلامه. وأما عبد الرزاق فإنما أخرج عن معمر بن راشد عن قتادة في قوله: (وشددنا أسرهم) قال: خلقهم، وكذا أخرجه الطبري من طريق محمد بن ثور عن معمر. (تنبيه) : لم يورد في تفسير (هل أتى) حديثا مرفوعا، ويدخل فيه حديث ابن عباس في قراءتها في صلاة الصبح يوم الجمعة. وقد تقدم في الصلاة
|